إن كانت عيناك سليمتين فإنهما تفرزان في الواقع الدموع كل الوقت وهو الأمر الذي لا تلحظه كثيرا أو لا تلحظه ألبتة. ويحتاج الإنسان إلى وجود طبقة خفيفة من الدموع لتزييت، وحماية، وتغذية مقدمة العين.
وهذه «الطبقة الدمعية الرقيقة» كما يسميها أطباء العيون، ليست عبارة عن ماء مالح بل إنها خليط من المركبات التي يفرزها، ويديم إنتاجها، عدد من الغدد والتركيبات الموجودة داخل العينين وفي ما حولهما.
جفاف العين وإذا ما حدث وتدهورت الطبقة الدمعية الرقيقة، فإن الإنسان سيعاني من جفاف العينين. وأهم أعراضه التي يعرفها كثيرون هي: الانزعاج من حالة العين، وحكة العينين، والإحساس بالحرقة فيهما.
وفي بعض الأحيان يتأثر البصر وتصبح الرؤية مشوشة. ويمكن علاج الحالات الخفيفة - وهي الحالات الغالبة - بسهولة بواسطة واحد من أكثر من عشرة منتجات تباع من دون وصفة طبية.
وفي ابتعاد واضح عن نظريات الأمس، فإنه يجري النظر الآن إلى حالات جفاف العين على أن لها عنصرا التهابيا، أي إنها لا تقتصر فقط على فقدان العين لأداة ترطيبها.
وبهدف مقاومة هذا الالتهاب، فإن بعض أطباء العيون يصفون وصفات طبية من قطرات تحتوي على كميات صغيرة جدا من «سايكلوسبورين» cyclosporine في حالات جفاف العين التي لا تنجح المنتجات الأخرى المسوقة من دون وصفة طبية في معالجتها.
و«سايكلوسبورين» هو عقار يعطى للمرضى الذين تزرع في أجسامهم أعضاء من أشخاص آخرين، وذلك بهدف تثبيط جهاز مناعتهم لمنعه من رفض الأعضاء المزروعة.
طبقة خارجية دهنية
وتقليديا، توصف الطبقة الدمعية الرقيقة tear film بأنها تتألف من ثلاث طبقات منفصلة: الطبقة الداخلية، وهي طبقة مخاطية تتولد من إفراز خلايا ملتحمة العين conjunctiva وهي الأغشية الشفافة التي تغطي العينين وباطن الجفنين.
ثم الطبقة الوسطى وهي طبقة مائية تولدها الغدد الدمعية lacrimal glands. ثم الطبقة الخارجية من الجزيئات الدهنية التي تولدها الغدد الدهنية في العين meibomian glands الموجودة في باطن الجفن.
إلا أن توصيفا جديدا أكثر دقة للطبقة الدمعية الرقيقة أخذ يزيل الخطوط الدقيقة الموضوعة بين هذه الطبقات الثلاث؛ بل وشرع يقسم تلك الطبقة الدمعية الرقيقة إلى طبقتين فقط بشكل تقريبي: طبقة داخلية من سائل يكون أكثر كثافة مع مخاط يكون موقعه أقرب إلى سطح العين، وطبقة ثانية خارجية من الجزيئات الدهنية (كما في الرسم التوضيحي).
وتحوم عوامل النمو، وخلايا مكافحة للالتهاب، ومركبات مفيدة أخرى حول السائل الموجود في الطبقة الداخلية. أما الطبقة الدهنية الخارجية، فإنها مهمة لأنها تغلق الطبقة المائية بشكل محكم وتمنع تبخر السوائل منها.
وفي العين السليمة تؤدي الطبقة الدمعية الرقيقة عدة مهام: فهي تشكل حاجزا ملموسا، وتقوم بالدفاع ضد العدوى، وكذلك بإبعاد الشوائب، وبمهمة الترطيب. كما يجب عليها أن تمرر أشعة الضوء عبرها، ولذلك فإن عليها أن تكون طرية ومنتظمة وإلا فإنها ستؤدي إلى تشوه الرؤية.
ويشبه الدكتور جايسون روثمان، الاختصاصي في جفاف العين بمجموعة استشاريي طب العيون بمدينة بوسطن، وهي عيادة طبية كبيرة، الطبقة الدمعية الرقيقة بتلك الطبقة الخفيفة من الماء التي تتخلف على الزجاج الأمامي للسيارة بعد الانتهاء من غسلها. فإن كان الماء موزعا بشكل متساو على ذلك الزجاج الأمامي فإنه سيكون شفافا ولن تحدث للسائق أي مشكلة في رؤية الطريق أمامه.
أسباب جفاف العين
من المعتاد النظر إلى جفاف العين على أنه مشكلة بسيطة ناجمة عن عدم كفاية إنتاج الدموع، أو ازدياد تبخر الدموع، أو نتيجة لاجتماع هذين السببين بشكل ما. وقد تبدأ حالة جفاف العينين في الظهور نتيجة لهذه الأسباب، إلا أن التفكير الحالي يميل إلى الاعتقاد بأن العمليات الالتهابية تبدأ عندما تفقد الطبقة الدمعية الرقيقة قدرتها على الترطيب.
- تكييف الهواء: تبريد الهواء في الصيف، وكذلك، وبشكل أكبر، التدفئة أثناء الشتاء، يؤديان إلى جعل الهواء جافا داخل المنازل، ولذا يسهل تبخر الطبقة الدمعية الرقيقة.
إلا أن ازدياد عدد رمشات العين يؤدي إلى دعم الطبقة الدهنية الخارجية للطبقة الدمعية، وفي العادة، فإن العين ترمش مرة كل 10 ثوان تقريبا.
وقد يتسبب كل نشاط يؤدي إلى تقليل عدد الرمشات هذا، مثل مشاهدة التلفزيون، أو العمل على جهاز الكومبيوتر، أو قيادة السيارة، في حدوث جفاف العين لأن ذلك النشاط يبطئ من معدل تكرار رمشات العين.
- تقدم العمر: مع تقدم عمر العين، فإنها تأخذ في الجفاف نتيجة تضاؤل إفراز الغدد الدمعية والغدد الأخرى. كما أن الجفون تتهدل مع تقدم العمر، ولهذا فإنها لا تحكم إغلاق العينين.
وعموما، فإن النساء أكثر من الرجال تعرضا لمشكلات جفاف العين، لأن لديهن مستوى أقل من هرمونات الآندروجين، وهي الهرمونات الجنسية الذكرية، وتنشط الغدد الدهنية في العين جزئيا نتيجة هبوط تلك الهرمونات على مستقبلاتها.
- أمراض المناعة الذاتية: وهي الحالات المرضية التي يهاجم فيها جهاز المناعة الجسم بدلا من مهاجمته للعدوى الخارجية الغازية كما يفترض به. وهذه الحالات تؤثر على العناصر المكونة للطبقة الدمعية الرقيقة مما يتسبب في حدوث جفاف العين.
الذئبة الحمراء lupus، والتهاب المفاصل الروماتويدي هما حالتان من هذه الأمراض. كما أن العيون الجافة الخالية من الدموع هي واحد من الأعراض المشهورة لـ«متلازمة شوغرين» Sjogren›s syndrome، وهي مرض من أمراض المناعة الذاتية الذي يؤثر على الغدد الدمعية، والغدد اللعابية، وعلى غدد أخرى تفرز المواد المرطبة.
- التهاب الجفون: وهو الحالة التي تؤثر على إفراز الغدد الدهنية. ولذا، تفقد الطبقة الدمعية الرقيقة طبقتها الدهنية الخارجية الواقية ويأخذ السائل المرطب في التبخر. ويتكرر حدوث التهاب الجفون لدى الأشخاص المصابين بالحساسية وبأمراض جلدية مثل داء الوردية الجلدية rosacea أو التهاب الجلد الدهني seborrheic dermatitis.
كما أن جفاف العين هو واحد من الآثار الجانبية لبعض الأدوية الشائعة الاستعمال ومنها الأدوية المضادة للهستامين antihistamines، أدوية حاصرات بيتا beta blockers، وأدوية مثبطات استرجاع السيروتونين الانتقائية selective serotonin reuptake inhibitor (SSRI)، مضادات الاكتئاب مثل «سيتالوبرام» citalopram (سيلاكسا Celexa) و«فلواوكسيتين» fluoxetine (بروزاك Prozac).
كما تحتوي بعض قطرات العين المباعة من دون وصفة طبية على كلوريد البنزالكونيوم benzalkonium chloride وهو مادة حافظة يمكنها إحداث الجفاف في العين. وتوجد هذه المادة أيضا في العديد من القطرات لعلاج الغلوكوما.
- عمليات العيون: جفاف العين أيضا يحدث لدى الأشخاص الخاضعين لعمليات LASIK لتصحيح قصر النظر وبعد النظر؛ لكنه مؤقت في الأغلب. وتوضع العدسات اللاصقة في الموضع الذي تتكون فيه الطبقة الدمعية الرقيقة.
ويعود أحد أسباب عدم قدرة وضع العدسات اللاصقة في العين، إلى وجود حالة جفاف العين.
- التهاب ملتحمة العين: إن التهاب ملتحمة العين ذو منشأ فيروسي في الغالب، ولذا ينبغي انتظار انحسار العدوى. إلا أن هناك عدوى بكتيرية تصيب ملتحمة العين يمكن علاجها بقطرات من المضادات الحيوية.
وعلى الرغم من أن الكثير من أمراض الحساسية تصيب العين، فإن الشكوى الرئيسية منها تتمثل في العادة من الحكة أو تدميع العينين وليس جفافهما.
الأعراض بدل التشخيص
لا توجد أي اختبارات مخصصة لتشخيص جفاف العين. ويلجأ أغلب أطباء العيون إلى رصد الحالة عند فحص العينين. وتستخدم قطرات عين خاصة لتقييم صحة العينين، ومدى استقرار الطبقة الدمعية الرقيقة.
كما يستخدم اختبار يسمى اختبار «شيمر» Schirmer test وهو شرائط صغيرة من ورق الترشيح لتقييم كمية إفراز الدموع لكل عين، رغم أن نتائج الاختبار قد تكون متفاوتة.
ولكن غالبا ما يكون فحص العين ونتائج الاختبار ثانوية عند التشخيص، إذ تمثل الأعراض والتاريخ الصحي للمريض أهم أساسيات التشخيص.
«دموع صناعية»
وإن كانت أسباب جفاف العين راجعة إلى وجود هواء جاف، فإن استخدام جهاز لترطيب الجو المنزلي قد يؤدي مفعوله. كما أن تقليل مدة مشاهدة التلفزيون أو العمل على الكومبيوتر قد يخفف الأمر.
إلا أن الخط الأول من العلاج هو استعمال القطرات المسماة «الدموع الصناعية». وهي تسمية مثيرة للالتباس لأن هذه القطرات لا تحتوي على عوامل النمو والمركبات النشطة الأخرى الموجودة في الدموع.
وتتكون الدموع الصناعية عادة من بعض السليلوز لزيادة ثخنها وزيادة لزوجتها. وتضاف إليها مواد مثل غليكول البولي إثيلين أو كحول البروليفينيل لكي تنتشر بشكل متساو، كما تحتوي أغلب ماركاتها على مواد حافظة.
والجرعة الأولى منها هي قطرة واحدة في كل عين، أربع مرات في اليوم. وبالإمكان تكرار وضع القطرات أكثر من أربع مرات، إلا أن المواد الحافظة فيها تسبب الإزعاج للمصاب. أما القطرات ذات الجرعة المنفردة فلا تحتوي على مواد حافظة ولكنها أغلى ثمنا.
كما تنتج الدموع الصناعية في شكل جل (مادة هلامية) ودهانات. وهذه تكون أثخن من الدموع وقد تتسبب في صعوبة الرؤية، ولذا فإنها غالبا ما تستعمل قبل النوم.
وصفات طبية
- أما قطرة «سايكلوسبورين» الموصوفة طبيا، فإنها تستعمل في العادة بعد استنفاد استعمال المريض للمنتجات المباعة من دون وصفة طبية. وقد وجدت دراسة نشرت في مجلة «أرشيفات طب العيون» عام 2008 أن نحو 70 في المائة من 191 شخصا مصابين بجفاف العين الذين لم تتحسن أحوالهم بعد استخدام الدموع الصناعية، تحسنت أحوالهم بعد استعمالهم لقطرات «سايكلوسبورين».
2008 أن نحو 70 في المائة من 191 شخصا مصابين بجفاف العين الذين لم تتحسن أحوالهم بعد استخدام الدموع الصناعية، تحسنت أحوالهم بعد استعمالهم لقطرات «سايكلوسبورين».
ورغم هذه النتائج وغيرها من نتائج الدراسات الأخرى، فإن أطباء العيون يظلون متشائمين بشأن استعمال قطرات «سايكلوسبورين» لأنهم لم يتحققوا من نتائجها الجيدة لدى مرضاهم! وتحتاج قطرات «سايكلوسبورين» إلى فترة من الزمن قبل أن تؤدي مفعولها؛ بين 6 و8 أسابيع في أغلب الحالات.
كما أن ثمنها مرتفع؛ إذ تبلغ تكاليف العلاج بقطرة ماركة «ريستازيس» Restasis 250 دولارا لمدة شهر واحد. وإضافة إلى ذلك، فإنه يجب على المصابين استعمالها إلى ما لا نهاية رغم إعلان باحثين من كليفلاند كلينيك أن عددا من الحالات قد شفيت بعد استعمال قطرات «سايكلوسبورين»، ولذا يمكن للأشخاص المتعافين إيقاف استعمالها.
- أنواع أخرى من القطرات: يمكن استعمال القطرات من السترويدات القشرية التي لها مفعول قوي مضاد للالتهاب، إلا أنه يجب استعمالها بشكل نادر، لأن الاستمرار فيها يؤدي إلى إعتام عدسة العين والغلوكومكا.
ويقول الدكتور روثمان إن بعض مرضاه الذين لم يتحسنوا باستعمال القطرات الموجودة تحسنت حالاتهم بقطرات الدموع المسماة autologous serum tears التي تصنع من الماء المالح المعقم ومصل الدم من جسم الشخص، وهو السائل الشفاف المتبقي بعد تخثر الدم.
- سد القنوات punctal occlusion: هذا هو واحد من الخيارات؛ ففي هذه العملية يتم سد فتحات القنوات في الجفون التي يمر عبرها السائل أثناء خروجه، وهذا مما يسمح بتجمع الدموع التي تظل في العين لفترة أطول. ويمكن أن يحدث السد مؤقتا (بواسطة مادة ذائبة مثل الكولاجين) أو دائما (بواسطة السليكون).
ويحاول بعض المصابين استعمال «حجيرات رطبة» توضع على النظارات العادية يمكنها أن تغلق بإحكام بحيث تحافظ على الرطوبة في العين. كما يمكن لكمادات دافئة المساعدة في حالات التهاب الجفون لأن الدفء يحرر الدهون من الغدد الدهنية.
وينصح الدكتور روثمان مرضاه بوضع كمادات تصنع منزليا من جوارب يوضع فيه مقدار من الأرز غير المطهي يتم تسخينه في فرن الميكروويف لفترة وجيزة.
مشكلات استعمال قطرات احمرار العين
- القطرات التقليدية «فيسين» Visine والقطرات الأخرى «المزيلة للاحمرار» تؤدي مفعولها بالعمل على تقليص الأوعية الدموية في العين. وهي تحتوي على مادة كيمائية قابضة للأوعية تسمى «تيتراهيدروزولين» tetrahydrozoline.
وتصبح الأوعية الدموية غير حساسة لتأثير التيتراهيدروزولين هذا، إن لم تستعمل القطرات بشكل متكرر، وعند ذاك ستكون هناك حاجة لوضع قطرات أكثر للحصول على المفعول السابق نفسه.
ويمكن استعمال «فيسين» بين فترة وأخرى. ولكن إن كانت هناك حاجة لاستعمالها بصفة دائمة، فإن من الأفضل استشارة طبيب العيون. ولا تحتوي كل منتجات «فيسين» على «تيتراهيدروزولين» ولهذا يمكن استعمال القطرات المعروفة منها لفترة طويلة.
- «أوميغا-3» .. لمنع حدوث جفاف العين وعلاجه افترضت دراسة لجامعة هارفارد عام 2005 أن دهون «أوميغا-3» من النوع الموجود في السمك، بمقدورها توفير الحماية ضد جفاف العين.
وقد توصلت دراسات عديدة أخرى إلى النتائج نفسها، كما يميل العلماء إلى الاعتقاد بأن «أوميغا-3» تتمتع بنوع من التأثيرات المضادة للالتهاب في العين. وقد أعلن باحثون آخرون عن نتائج إيجابية لقطرات «أوميغا-3» وضعت في عيون الفئران.
وعلى مبدأ «إن الشيء المساعد لن يضر»، فقد أمر بعض أطباء العيون مرضاهم المصابين بجفاف العين بزيادة تناول «أوميغا-3» (وسمك السلمون أفضل مصادرها) أو بتناول مكملات «أوميغا-
3». وهذه «الطبقة الدمعية الرقيقة» كما يسميها أطباء العيون، ليست عبارة عن ماء مالح بل إنها خليط من المركبات التي يفرزها، ويديم إنتاجها، عدد من الغدد والتركيبات الموجودة داخل العينين وفي ما حولهما.
جفاف العين وإذا ما حدث وتدهورت الطبقة الدمعية الرقيقة، فإن الإنسان سيعاني من جفاف العينين. وأهم أعراضه التي يعرفها كثيرون هي: الانزعاج من حالة العين، وحكة العينين، والإحساس بالحرقة فيهما.
وفي بعض الأحيان يتأثر البصر وتصبح الرؤية مشوشة. ويمكن علاج الحالات الخفيفة - وهي الحالات الغالبة - بسهولة بواسطة واحد من أكثر من عشرة منتجات تباع من دون وصفة طبية.
وفي ابتعاد واضح عن نظريات الأمس، فإنه يجري النظر الآن إلى حالات جفاف العين على أن لها عنصرا التهابيا، أي إنها لا تقتصر فقط على فقدان العين لأداة ترطيبها.
وبهدف مقاومة هذا الالتهاب، فإن بعض أطباء العيون يصفون وصفات طبية من قطرات تحتوي على كميات صغيرة جدا من «سايكلوسبورين» cyclosporine في حالات جفاف العين التي لا تنجح المنتجات الأخرى المسوقة من دون وصفة طبية في معالجتها.
و«سايكلوسبورين» هو عقار يعطى للمرضى الذين تزرع في أجسامهم أعضاء من أشخاص آخرين، وذلك بهدف تثبيط جهاز مناعتهم لمنعه من رفض الأعضاء المزروعة.
طبقة خارجية دهنية
وتقليديا، توصف الطبقة الدمعية الرقيقة tear film بأنها تتألف من ثلاث طبقات منفصلة: الطبقة الداخلية، وهي طبقة مخاطية تتولد من إفراز خلايا ملتحمة العين conjunctiva وهي الأغشية الشفافة التي تغطي العينين وباطن الجفنين.
ثم الطبقة الوسطى وهي طبقة مائية تولدها الغدد الدمعية lacrimal glands. ثم الطبقة الخارجية من الجزيئات الدهنية التي تولدها الغدد الدهنية في العين meibomian glands الموجودة في باطن الجفن.
إلا أن توصيفا جديدا أكثر دقة للطبقة الدمعية الرقيقة أخذ يزيل الخطوط الدقيقة الموضوعة بين هذه الطبقات الثلاث؛ بل وشرع يقسم تلك الطبقة الدمعية الرقيقة إلى طبقتين فقط بشكل تقريبي: طبقة داخلية من سائل يكون أكثر كثافة مع مخاط يكون موقعه أقرب إلى سطح العين، وطبقة ثانية خارجية من الجزيئات الدهنية (كما في الرسم التوضيحي).
وتحوم عوامل النمو، وخلايا مكافحة للالتهاب، ومركبات مفيدة أخرى حول السائل الموجود في الطبقة الداخلية. أما الطبقة الدهنية الخارجية، فإنها مهمة لأنها تغلق الطبقة المائية بشكل محكم وتمنع تبخر السوائل منها.
وفي العين السليمة تؤدي الطبقة الدمعية الرقيقة عدة مهام: فهي تشكل حاجزا ملموسا، وتقوم بالدفاع ضد العدوى، وكذلك بإبعاد الشوائب، وبمهمة الترطيب. كما يجب عليها أن تمرر أشعة الضوء عبرها، ولذلك فإن عليها أن تكون طرية ومنتظمة وإلا فإنها ستؤدي إلى تشوه الرؤية.
ويشبه الدكتور جايسون روثمان، الاختصاصي في جفاف العين بمجموعة استشاريي طب العيون بمدينة بوسطن، وهي عيادة طبية كبيرة، الطبقة الدمعية الرقيقة بتلك الطبقة الخفيفة من الماء التي تتخلف على الزجاج الأمامي للسيارة بعد الانتهاء من غسلها. فإن كان الماء موزعا بشكل متساو على ذلك الزجاج الأمامي فإنه سيكون شفافا ولن تحدث للسائق أي مشكلة في رؤية الطريق أمامه.
أسباب جفاف العين
من المعتاد النظر إلى جفاف العين على أنه مشكلة بسيطة ناجمة عن عدم كفاية إنتاج الدموع، أو ازدياد تبخر الدموع، أو نتيجة لاجتماع هذين السببين بشكل ما. وقد تبدأ حالة جفاف العينين في الظهور نتيجة لهذه الأسباب، إلا أن التفكير الحالي يميل إلى الاعتقاد بأن العمليات الالتهابية تبدأ عندما تفقد الطبقة الدمعية الرقيقة قدرتها على الترطيب.
- تكييف الهواء: تبريد الهواء في الصيف، وكذلك، وبشكل أكبر، التدفئة أثناء الشتاء، يؤديان إلى جعل الهواء جافا داخل المنازل، ولذا يسهل تبخر الطبقة الدمعية الرقيقة.
إلا أن ازدياد عدد رمشات العين يؤدي إلى دعم الطبقة الدهنية الخارجية للطبقة الدمعية، وفي العادة، فإن العين ترمش مرة كل 10 ثوان تقريبا.
وقد يتسبب كل نشاط يؤدي إلى تقليل عدد الرمشات هذا، مثل مشاهدة التلفزيون، أو العمل على جهاز الكومبيوتر، أو قيادة السيارة، في حدوث جفاف العين لأن ذلك النشاط يبطئ من معدل تكرار رمشات العين.
- تقدم العمر: مع تقدم عمر العين، فإنها تأخذ في الجفاف نتيجة تضاؤل إفراز الغدد الدمعية والغدد الأخرى. كما أن الجفون تتهدل مع تقدم العمر، ولهذا فإنها لا تحكم إغلاق العينين.
وعموما، فإن النساء أكثر من الرجال تعرضا لمشكلات جفاف العين، لأن لديهن مستوى أقل من هرمونات الآندروجين، وهي الهرمونات الجنسية الذكرية، وتنشط الغدد الدهنية في العين جزئيا نتيجة هبوط تلك الهرمونات على مستقبلاتها.
- أمراض المناعة الذاتية: وهي الحالات المرضية التي يهاجم فيها جهاز المناعة الجسم بدلا من مهاجمته للعدوى الخارجية الغازية كما يفترض به. وهذه الحالات تؤثر على العناصر المكونة للطبقة الدمعية الرقيقة مما يتسبب في حدوث جفاف العين.
الذئبة الحمراء lupus، والتهاب المفاصل الروماتويدي هما حالتان من هذه الأمراض. كما أن العيون الجافة الخالية من الدموع هي واحد من الأعراض المشهورة لـ«متلازمة شوغرين» Sjogren›s syndrome، وهي مرض من أمراض المناعة الذاتية الذي يؤثر على الغدد الدمعية، والغدد اللعابية، وعلى غدد أخرى تفرز المواد المرطبة.
- التهاب الجفون: وهو الحالة التي تؤثر على إفراز الغدد الدهنية. ولذا، تفقد الطبقة الدمعية الرقيقة طبقتها الدهنية الخارجية الواقية ويأخذ السائل المرطب في التبخر. ويتكرر حدوث التهاب الجفون لدى الأشخاص المصابين بالحساسية وبأمراض جلدية مثل داء الوردية الجلدية rosacea أو التهاب الجلد الدهني seborrheic dermatitis.
كما أن جفاف العين هو واحد من الآثار الجانبية لبعض الأدوية الشائعة الاستعمال ومنها الأدوية المضادة للهستامين antihistamines، أدوية حاصرات بيتا beta blockers، وأدوية مثبطات استرجاع السيروتونين الانتقائية selective serotonin reuptake inhibitor (SSRI)، مضادات الاكتئاب مثل «سيتالوبرام» citalopram (سيلاكسا Celexa) و«فلواوكسيتين» fluoxetine (بروزاك Prozac).
كما تحتوي بعض قطرات العين المباعة من دون وصفة طبية على كلوريد البنزالكونيوم benzalkonium chloride وهو مادة حافظة يمكنها إحداث الجفاف في العين. وتوجد هذه المادة أيضا في العديد من القطرات لعلاج الغلوكوما.
- عمليات العيون: جفاف العين أيضا يحدث لدى الأشخاص الخاضعين لعمليات LASIK لتصحيح قصر النظر وبعد النظر؛ لكنه مؤقت في الأغلب. وتوضع العدسات اللاصقة في الموضع الذي تتكون فيه الطبقة الدمعية الرقيقة.
ويعود أحد أسباب عدم قدرة وضع العدسات اللاصقة في العين، إلى وجود حالة جفاف العين.
- التهاب ملتحمة العين: إن التهاب ملتحمة العين ذو منشأ فيروسي في الغالب، ولذا ينبغي انتظار انحسار العدوى. إلا أن هناك عدوى بكتيرية تصيب ملتحمة العين يمكن علاجها بقطرات من المضادات الحيوية.
وعلى الرغم من أن الكثير من أمراض الحساسية تصيب العين، فإن الشكوى الرئيسية منها تتمثل في العادة من الحكة أو تدميع العينين وليس جفافهما.
الأعراض بدل التشخيص
لا توجد أي اختبارات مخصصة لتشخيص جفاف العين. ويلجأ أغلب أطباء العيون إلى رصد الحالة عند فحص العينين. وتستخدم قطرات عين خاصة لتقييم صحة العينين، ومدى استقرار الطبقة الدمعية الرقيقة.
كما يستخدم اختبار يسمى اختبار «شيمر» Schirmer test وهو شرائط صغيرة من ورق الترشيح لتقييم كمية إفراز الدموع لكل عين، رغم أن نتائج الاختبار قد تكون متفاوتة.
ولكن غالبا ما يكون فحص العين ونتائج الاختبار ثانوية عند التشخيص، إذ تمثل الأعراض والتاريخ الصحي للمريض أهم أساسيات التشخيص.
«دموع صناعية»
وإن كانت أسباب جفاف العين راجعة إلى وجود هواء جاف، فإن استخدام جهاز لترطيب الجو المنزلي قد يؤدي مفعوله. كما أن تقليل مدة مشاهدة التلفزيون أو العمل على الكومبيوتر قد يخفف الأمر.
إلا أن الخط الأول من العلاج هو استعمال القطرات المسماة «الدموع الصناعية». وهي تسمية مثيرة للالتباس لأن هذه القطرات لا تحتوي على عوامل النمو والمركبات النشطة الأخرى الموجودة في الدموع.
وتتكون الدموع الصناعية عادة من بعض السليلوز لزيادة ثخنها وزيادة لزوجتها. وتضاف إليها مواد مثل غليكول البولي إثيلين أو كحول البروليفينيل لكي تنتشر بشكل متساو، كما تحتوي أغلب ماركاتها على مواد حافظة.
والجرعة الأولى منها هي قطرة واحدة في كل عين، أربع مرات في اليوم. وبالإمكان تكرار وضع القطرات أكثر من أربع مرات، إلا أن المواد الحافظة فيها تسبب الإزعاج للمصاب. أما القطرات ذات الجرعة المنفردة فلا تحتوي على مواد حافظة ولكنها أغلى ثمنا.
كما تنتج الدموع الصناعية في شكل جل (مادة هلامية) ودهانات. وهذه تكون أثخن من الدموع وقد تتسبب في صعوبة الرؤية، ولذا فإنها غالبا ما تستعمل قبل النوم.
وصفات طبية
- أما قطرة «سايكلوسبورين» الموصوفة طبيا، فإنها تستعمل في العادة بعد استنفاد استعمال المريض للمنتجات المباعة من دون وصفة طبية. وقد وجدت دراسة نشرت في مجلة «أرشيفات طب العيون» عام 2008 أن نحو 70 في المائة من 191 شخصا مصابين بجفاف العين الذين لم تتحسن أحوالهم بعد استخدام الدموع الصناعية، تحسنت أحوالهم بعد استعمالهم لقطرات «سايكلوسبورين».
2008 أن نحو 70 في المائة من 191 شخصا مصابين بجفاف العين الذين لم تتحسن أحوالهم بعد استخدام الدموع الصناعية، تحسنت أحوالهم بعد استعمالهم لقطرات «سايكلوسبورين».
ورغم هذه النتائج وغيرها من نتائج الدراسات الأخرى، فإن أطباء العيون يظلون متشائمين بشأن استعمال قطرات «سايكلوسبورين» لأنهم لم يتحققوا من نتائجها الجيدة لدى مرضاهم! وتحتاج قطرات «سايكلوسبورين» إلى فترة من الزمن قبل أن تؤدي مفعولها؛ بين 6 و8 أسابيع في أغلب الحالات.
كما أن ثمنها مرتفع؛ إذ تبلغ تكاليف العلاج بقطرة ماركة «ريستازيس» Restasis 250 دولارا لمدة شهر واحد. وإضافة إلى ذلك، فإنه يجب على المصابين استعمالها إلى ما لا نهاية رغم إعلان باحثين من كليفلاند كلينيك أن عددا من الحالات قد شفيت بعد استعمال قطرات «سايكلوسبورين»، ولذا يمكن للأشخاص المتعافين إيقاف استعمالها.
- أنواع أخرى من القطرات: يمكن استعمال القطرات من السترويدات القشرية التي لها مفعول قوي مضاد للالتهاب، إلا أنه يجب استعمالها بشكل نادر، لأن الاستمرار فيها يؤدي إلى إعتام عدسة العين والغلوكومكا.
ويقول الدكتور روثمان إن بعض مرضاه الذين لم يتحسنوا باستعمال القطرات الموجودة تحسنت حالاتهم بقطرات الدموع المسماة autologous serum tears التي تصنع من الماء المالح المعقم ومصل الدم من جسم الشخص، وهو السائل الشفاف المتبقي بعد تخثر الدم.
- سد القنوات punctal occlusion: هذا هو واحد من الخيارات؛ ففي هذه العملية يتم سد فتحات القنوات في الجفون التي يمر عبرها السائل أثناء خروجه، وهذا مما يسمح بتجمع الدموع التي تظل في العين لفترة أطول. ويمكن أن يحدث السد مؤقتا (بواسطة مادة ذائبة مثل الكولاجين) أو دائما (بواسطة السليكون).
ويحاول بعض المصابين استعمال «حجيرات رطبة» توضع على النظارات العادية يمكنها أن تغلق بإحكام بحيث تحافظ على الرطوبة في العين. كما يمكن لكمادات دافئة المساعدة في حالات التهاب الجفون لأن الدفء يحرر الدهون من الغدد الدهنية.
وينصح الدكتور روثمان مرضاه بوضع كمادات تصنع منزليا من جوارب يوضع فيه مقدار من الأرز غير المطهي يتم تسخينه في فرن الميكروويف لفترة وجيزة.
مشكلات استعمال قطرات احمرار العين
- القطرات التقليدية «فيسين» Visine والقطرات الأخرى «المزيلة للاحمرار» تؤدي مفعولها بالعمل على تقليص الأوعية الدموية في العين. وهي تحتوي على مادة كيمائية قابضة للأوعية تسمى «تيتراهيدروزولين» tetrahydrozoline.
وتصبح الأوعية الدموية غير حساسة لتأثير التيتراهيدروزولين هذا، إن لم تستعمل القطرات بشكل متكرر، وعند ذاك ستكون هناك حاجة لوضع قطرات أكثر للحصول على المفعول السابق نفسه.
ويمكن استعمال «فيسين» بين فترة وأخرى. ولكن إن كانت هناك حاجة لاستعمالها بصفة دائمة، فإن من الأفضل استشارة طبيب العيون. ولا تحتوي كل منتجات «فيسين» على «تيتراهيدروزولين» ولهذا يمكن استعمال القطرات المعروفة منها لفترة طويلة.
- «أوميغا-3» .. لمنع حدوث جفاف العين وعلاجه افترضت دراسة لجامعة هارفارد عام 2005 أن دهون «أوميغا-3» من النوع الموجود في السمك، بمقدورها توفير الحماية ضد جفاف العين.
وقد توصلت دراسات عديدة أخرى إلى النتائج نفسها، كما يميل العلماء إلى الاعتقاد بأن «أوميغا-3» تتمتع بنوع من التأثيرات المضادة للالتهاب في العين. وقد أعلن باحثون آخرون عن نتائج إيجابية لقطرات «أوميغا-3» وضعت في عيون الفئران.
وعلى مبدأ «إن الشيء المساعد لن يضر»، فقد أمر بعض أطباء العيون مرضاهم المصابين بجفاف العين بزيادة تناول «أوميغا-3» (وسمك السلمون أفضل مصادرها) أو بتناول مكملات «أوميغا-